فضاعة وبشاعة ما يحدث إلى اليوم في السجون التونسية: سيدا, سل، قمل، جرب، مخدرات.. جسد مقابل الغذاء

تصنّف تونس ضمن الدول الخمسة الأولى الأكثر زجرا حيث تعدّ 276 سجينا لكل مائة ألف ساكن بحسب احصائيات الهيئة العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تعود إلى سنة 2010 وكان من المنتظر أن تغيّر ثورة 2011 هذا الواقع بإصلاح المنظومة العقابية واعتماد طرق أخرى لردع وإعادة تأهيل المذنبين والخارجين عن القانون لكن تقريرا صادر عن نفس الهيئة في أفريل الماضي جاء ليؤكّد تردّي الأوضاع داخل السجون التونسية التي لا تتوافق مع المعايير الدولية في إيواء المساجين وتوفير أدنى شروط الحياة الكريمة لهم خلال فترة قضائهم لعقوبتهم.
اكتظاظ
لعل أخطر ظاهرة تعاني منها السجون التونسية هي ظاهرة الاكتظاظ حيث كشف التقرير المذكور أن نسبة الاكتظاظ تصل إلى 150٪ في بعض السجون التونسية فعلى سبيل المثال بلغت نسبة الاكتظاظ في سجن القصرين 150٪ وفي سجن القيروان 138٪ أما في سجن المسعدين فقد وصلت هذه النسبة إلى 115٪ ويبقى الوضع داخل سجن المرناقية الأسوا على الاطلاق فهذا السجن يحتوي على 5021 سريرا في حين بلغ عدد المساجين 6308 مقيمين أي بزيادة تقدر بـ1300 سجين أما سجن الهوارب فقد أعدّ لإيواء 125 سجينا في حين أن مساحته لا تتعدى 200م2 والحال أن المعايير الدولية حددت لكل سجين مساحة 4م2 أي أن سجن الهوارب من المفروض أن يأوي 50 سجينا فقط. ظاهرة الاكتظاظ هذه ساهمت في تردّي الأوضاع داخل السجون التونسية وأنتجت جملة من المشاكل تحوّلت شيئا فشيئا إلى مخاطر تهدّد المساجين والحرّاس.
عنف… وتحرّش
لم يخف تقرير الهيئة العليا لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة مظاهر العنف داخل السجون التونسية بسبب الإكتظاظ حيث يتعرّض 6٪ من المساجين يوميا إلى اعتداءات لفظية وجسدية من طرف زملائهم إما داخل الغرف أو في فترات الاستراحة وعادة ما يكون ضحايا هذا العنف المساجين الجدد الذين نالوا عقوبة سالبة للحرية لأول مرة في حياتهم وتحولت بعض السجون الكبرى على غرار سجن المرناقية إلى ما يشبه المقاطعات تسيطر على كل واحد منها عصابة عادة ما يكون أفرادها من نفس الحي أو نفس المدينة وحتى العائلة أو العرش وتستغل هذه العصابات قوتها والنقص في عدد الحراس للبطش وابتزاز المساجين الضعفاء جسديا والفاقدين للحماية وليبقى في منأى من عنف هذه العصابات يضطرّ بعض المساجين لدفع أتاوات ومبالغ مالية والسجائر والأكل والأغطية ليضمنوا حماية هذا الزعيم أو ذاك داخل السجن.

أما الابتزاز الأكثر إهانة للجنس البشري فيبقى التحرش والاستغلال الجنسي لبعض المساجين وخاصة الصغار منهم البالغين ما بين 18 و30 سنة فالاغتصاب أمر عادي داخل السجون التونسية بل أن هناك من المساجين الضعفاء من يضحّي بجسده مقابل الفوز بحماية هذا الزعيم وغنم بعض الأكل ومكان ينام فيه.
وتقوم هذه العصابات بنشاطات غريبة داخل السجون من ذلك توفير المخدرات والسجائر إلى المساجين بحسب شهود عيان وفي طليعتهم بعض الفنانين الذين قضّوا عقوبات سالبة للحرية في السنتين الأخيرتين.
أمراض وعدوى
لقد أدت ظاهرة الاكتظاظ إلى تردّي الأوضاع الصحية داخل السجون التونسية حيث نبّهت المحامية والناشطة الحقوقية راضية النصراوي في ماي الماضي من خطورة تفشّي مرض السل بين المساجين وطالبت بعزل الحالات التي تعاني من هذا المرض الخطير علما وأن هذا المرض المعدي من الأمراض التي تنتشر بسهولة سواء عبر التنفس أو الأدباش وحتى اللّمس كما سجلت تقارير لناشطين حقوقيين كانوا زاروا بعض السجون انتشار القمل بين المساجين والجرب والأمراض المنقولة جنسيا وتعود هذه الأمراض أساسا إلى انعدام الامكانيات المتاحة للإدارة العامة للسجون والاصلاح لتوفير الحد الأدنى للشروط الصحية داخل السجون بالاضافة إلى الاكتظاظ والظروف الاجتماعية لبعض المساجين الذين يفتقدون لسند عائلي بعينهم على قضاء عقوبتهم بأقل أضرار ممكنة.
منظومة سجنية مختلّة
تم بعث الادارة العامة للسجون والاصلاح بمقتضى قانون المالية عدد 71 ـ 59 لـ 29 ديسمبر 1971 وألحقت بوزارة العدل بمقتضى القانون 51 المؤرخ في 3 ماي 2001 وتسهر هذه الادارة على تطبيق السياسة السجنية وتأهيل المساجين وتنفيذ العقوبات السالبة للحرية وحماية المؤسسات السجنية وإعادة تأهيل المساجين وتسيير السجون في مستوى الإقامة والأكل وعلاج المساجين ورغم الأهداف النبيلة لهذه الادارة فإن قلّة الامكانيات واعتماد الدولة على الزجر أعاقها عن أداء مهامها على الوجه الأكمل واحترام المعايير الدولية المعتمدة في السجون فالنقص في عدد الحراس والاطارات ساهم بشكل واضح في تردي الأوضاع داخل السجون التونسية فعلى سبيل المثال فإن سجن الكاف يتوفر على حارس واحد لكل 76 سجينا. هذا الأمر انعكس سلبا على الأمن داخل السجن المدني بالكاف لذلك فإن نقابات السجون حذّرت مرات عديدة من مخاطر النقص في عدد الأعوان الذي بات يهدّد لا فقط أمن السجناء بل الحراس أنفسهم. ثمة سلبيات أخرى تعاني منها السجون التونسية من ذلك عدم احترام المعايير الدولية في علاقة بإيواء المساجين حسب نوعية الجريمة المرتكبة ففي سجن المرناقية يقيم المساجين الذين ارتكبوا جنحا غير خطيرة مع مجرمين متورطين في جرائم قتل واغتصاب وسلب وقطع طرق وارهاب وهو ما من شأنه أن يوتر الأوضاع داخل السجون بل وإلى انحرافات خطيرة مما ذُكر سابقا.
يذكر أن 53٪ من المساجين في تونس مورطون في قضايا مخدرات في حين ينتظر 78 سجينا في الرواق «واو» داخل سجن المرناقية تنفيذ حكم الاعدام ومنهم من حكم عليه منذ 16 سنة ولم ينفذ فيه الاعدام لتباين المواقف والآراء بخصوص حكم الاعدام في تونس حيث لم تنفذ الدولة رسميا على الأقل هذا الحكم منذ سنة 1994.
الكاتب: الحبيب الميساوي 

أضف تعليق